الاستثمار في المساحات المفتوحة لإنشاء مدن صالحة للعيش

الاستثمار في المساحات المفتوحة لإنشاء مدن صالحة للعيش

يشير مصطلح المساحات المفتوحة إلى مكان اجتماعي يُترك مفتوحًا ومتاحًا لعامة الشعب. ويمكن أن تكون هذه المساحات المفتوحة ذات طبيعة ونطاق مختلفين وتشمل: المتنزهات، والملاعب، والساحات والحدائق. وتستخدم المساحات المفتوحة للمشي، والمشي لمسافات طويلة، والجري، وغيرها من الأنشطة الرياضية والترفيهية.

تعد المساحات المفتوحة موارد مهمة للمدن لأنها توفر العديد من الفرص للناس للالتقاء ببعضهم البعض والتفاعل مع المجتمع. وإنّ المساحات العامة الناجحة شاملة للجميع وتخلق مساحات اجتماعية ليشارك فيها الجميع في المجتمع. وللمناطق التي توفر مساحات خضراء تأثير بيئي وإيكولوجي لأنها تحسن المناخ الحضري وتقلل من الأضرار البيئية. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الأماكن العامة المقيمين على تبني أسلوب حياة صحي والتكيف معه.
إذًا ما هي العوامل التي تساهم في نجاح المساحات المفتوحة وما هي الفوائد التي توفرها هذه المساحات للمجتمع؟

العوامل المساهمة في نجاح المساحات المفتوحة
هناك أربعة عوامل رئيسة تساهم في نجاح المساحات المفتوحة يجب مراعاتها عند التخطيط لها. وتتمثل هذه العوامل في ما يلي:

إمكانية الوصول: تعتبر المساحة المفتوحة ناجحة عندما توفّر اتصالات بصرية ومادية جيدة تجعلها مفتوحة أمام عامة الشعب. كما تعتبر المساحة المفتوحة ناجحة إذا كان من السهل الوصول إليها والتجول فيها، مما يعني أنه يمكن رؤيتها بوضوح من مسافة بعيدة ومن مسافة قريبة. وتشمل إمكانية الوصول أيضًا قدرة ذوي الإعاقة إلى الوصول إليها الإعاقة ومدى مستوى الترحيب فيها.

الراحة: توفّر المساحات المفتوحة الناجحة أماكن كافية للجلوس في المواقع المناسبة. ويعتبر ضمان السلامة والنظافة والصيانة الجيدة عناصر أساسية لضمان نجاح المساحة المفتوحة. كما يعتبر توفير الحماية من الظروف الجوية السيئة خطوة مهمة نحو تحقيق الراحة في أيّ مكان مفتوح. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن زيادة التعرض لأشعة الشمس هي خطوة ضرورية، يجب أيضًا النظر في توفير مأوى جيد للأيام العاصفة أو الممطرة أو الحارة. ويشكّل الضجيج أيضًا ميزة أخرى ذات تأثيرات كبيرة على راحة المساحات، لذا فإن إضافة ضوضاء بيضاء، مثل الماء، يمكن أن تساعد في تخفيف حدة الأصوات المزعجة.

المُخَالَطة الاجْتِمَاعِيَّة: عند البحث عن وسيلة للترفيه، يميل الناس إلى الذهاب مع أصدقائهم والالتقاء بجيرانهم وإلقاء التحية عليهم والتفاعل مع الغرباء. ويميل هذا التفاعل إلى جعلهم يشعرون بإحساس أقوى بالمكان ويخلق رابطًا وتعلقًا أكبر بالمجتمع الذي يعيشون فيه. ومن العوامل التي يجب مراعاتها عند التفكير في المخالطة الاجتماعية هي ما إذا كان الناس يختارون هذا المكان تحديدًا للالتقاء ببعضهم وما إذا كان أولئك المتواجدون في هذه المساحة العامة على معرفة جيدة ببعضهم ويستخدمون المكان بانتظام بمحض إرادتهم.

الأنشطة: تعتبر الأنشطة السبب الرئيسي وراء زيارة الأشخاص للمكان بشكل متكرر. وهي أيضا ما يضفي على المساحة ميزتها الفريدة. فكلما تمّ التخطيط للمزيد من الأنشطة، كلما عاد الأشخاص إلى المكان وتم إنشاء صلة بين المساحة وبينهم، مما يشكل إحساسًا بالمكان والترابط. وتعتبر الأحداث الاجتماعية في المساحات المفتوحة، مثل استضافة الحفلات الموسيقية وعرض الأفلام أمرًا أساسيًا لتحقيق النجاح.

الفوائد
الفوائد الاجتماعية: توفر المساحات المفتوحة مناطق خارجية آمنة متاحة لجميع الأعمار. كما أنها توفر تماسكًا وعلاقات اجتماعية أكبر لأنها تمثل نقاط التقاء للسكان حيث يمكنهم الاختلاط ببعضهم البعض. وهي تساعد على تعزيز المهارات الاجتماعية ومهارات الاتصال عبر فرص التفاعل الاجتماعي، ما يؤدي إلى انخفاض نسبة العزلة الاجتماعية وتوليد رأس المال الاجتماعي، فترتفع القدرة الشخصية على الصمود.

الفوائد الاقتصادية: قد يساهم الاستثمار في المساحات المفتوحة في الاستقرار الاقتصادي في المنطقة لأنه يزيد من قيمة العقارات ومدى الانجذاب إلى المدن والبلدات. بالإضافة إلى ذلك، تساهم المساحات المفتوحة في التجديد الحضري وتجذب الزوار والسياحة وتشجّع العمالة والاستثمارات.

الفوائد الترفيهية: توفر المساحات المفتوحة مناطق ترفيهية يسهل الوصول إليها كبديل للأنشطة الترفيهية الأخرى الأكثر تكلفة. ويمكنها، في الواقع، تقديم مجموعة واسعة من فرص الترفيه من الأحداث غير الرسمية إلى الأحداث الرسمية، مما يوفر مساحة للأطفال للاتصال بعالم الطبيعة والتواصل مع الطبيعة. وتمثل المساحات المفتوحة فرص لعب للأطفال، وتعتبر عاملاً مهما وحاسمًا في نموهم. بالإضافة إلى ذلك، كلما توفرت أماكن مفتوحة جذابة ويمكن الوصول إليها، يميل الناس إلى الانخراط أكثر في النشاط البدني. ويوفر الوقت الذي يقضيه السكان في الأماكن المفتوحة ملاذًا لهم، ويزيد من المواقف الإيجابية ويقلل من مستويات التوتر ومخاطر الاكتئاب لديهم.

الفوائد البيئية: يترتب عن الاستثمار في المساحات المفتوحة تأثيرًا إيجابيًا على البيئة إذ يساعد في تقليل الاعتماد على السيارات – حيث لن يضطر الناس إلى التنقل للوصول إلى المتنزهات والمناطق الخضراء المفتوحة – ويوفر موطنًا للحياة البرية والأنواع الطبيعية، مما يعزز التنوع البيولوجي في المنطقة. كما تعمل المساحات المفتوحة على تحسين جودة الهواء وتقليل الضوضاء، حيث تعمل المساحات الخضراء والنباتات كعناصر عازلة للضوضاء وللتلوث البصري وتلوث الهواء.

الفوائد الصحية: تعتبر المساحات المفتوحة مهمة للبشر، إذ لديها تأثير إيجابي على صحتهم الجسدية والعقلية، حيث تساعد على تقليل التوتر وزيادة السعادة ونشاط الدماغ وتحسين المزاج العام والمواقف. وإنّ خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أقل في المناطق التي تحتوي على مستويات أعلى من المساحات الخضراء والمفتوحة، وذلك لأن الناس يمشون أكثر ويزيدون من نشاطهم البدني عندما تحيط بهم المساحات الخضراء.

يتمّ حاليًا النظر في إدماج المزيد والمزيد من المساحات المفتوحة وإدراجها في مشاريع التطوير، لذا يجب على المخططين والمصممين أن يأخذوا في الاعتبار أهمية زيادة عدد المساحات المفتوحة، ولا سيما في وقت ينتشر فيه فيروس كورونا. يفرض فيروس كوفيد-19 الذي لا يزال ينتشر ويؤثر على العالم كله اليوم قواعد جديدة على السكان، ويجبر الناس على الحفاظ على مسافة آمنة بين بعضهم البعض. ولطالما اعتُبرت المساحات المفتوحة أحد الموارد المهمة في المدن، ولكن ازدادت أهميتها اليوم بشكل أكبر في هذه الجائحة. ومن الواضح أن المساحات المفتوحة هي الوجهة الرئيسة المفضلة لدى معظم الناس حاليًا، لأنها توفر ملاذًا للمقيمين الذين تم وضعهم تحت الإغلاق الشامل منذ أن بدأ الفيروس في الانتشار. وتزودهم المساحات المفتوحة، بالتالي، بوسيلة لممارسة الرياضة، والمتعة، والحفاظ على صحتهم العقلية، مع الحفاظ على مسافة آمنة بينهم في الوقت نفسه.

Share post:

Leave A Comment

Your email is safe with us.