بناء استراتيجية ناجحة لتصميم الأماكن في ظل كوفيد-19
يعتبر تصميم الأماكن نهجًا يركز على الناس في عملية تخطيط وتصميم الأماكن العامة في المدن. ويهتمّ هذا النهج باحتياجات الناس الذين يعيشون في مكان معين ويهدف إلى تلبيتها. ومع ازدياد الكثافة السكانية في مدننا وأماكننا الحضرية، يحتاج المصمّمون الحضريون إلى إنشاء أماكن يشعر فيها المواطنون بالقدرة على التفاعل وأماكن تستجيب لطلبات السّكان المتزايدة وتقلّل الضّغط على البيئة المبنية من حيث الوظيفة والجودة. غير أنّ مرض كوفيد-19 لم يجعل المهمّة سهلة على ممارسي مهنة تصميم الأماكن الذين يحاولون الآن أكثر من أي وقت مضى الحفاظ على الاتصال بين المدن والمجتمعات.
إليك بعض النقاط الرئيسة حول كيفية بناء استراتيجية ناجحة لتصميم الأماكن والتدابير الجديدة التي يتم تنفيذها استجابة للوباء وتأثير هذا الأخير على عمليّة تصميم الأماكن العامّة الناجحة.
1. تعزيز الرفاهية من خلال بنية تحتية مخطّط لها بشكل جيّد: من البديهي جدًّا أن توفّر المدن الصحيّة البنى التحتية الأساسية لمواطنيها. وتهدف خطّة تصميم الأماكن الناجحة أولاً إلى توفير المياه النظيفة والصرف الصحي ومعالجة مياه الصرف الصحي والوصول إلى الإنترنت، من بين خدمات أخرى إلى السكان. وفي الواقع، وكجزء من عمليّة تصميم الأماكن هذه، تحاول مدينة تورنتو، على سبيل المثال، توسيع الوصول إلى شبكة الواي فاي والتكنولوجيا لإبقاء الاتّصال بين المواطنين في خلال الوباء. ومن ناحية أخرى، بالإضافة إلى إنشاء مساحات تشجع على المشي وتحد من تلوث الهواء، تضع البلدان في جميع أنحاء العالم نظام توصيل جديد حتّى يتمكن جميع المواطنين من الوصول إلى المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية من دون الاضطرار إلى الخروج من منازلهم في خلال الوباء.
2. إنشاء ساحات وحدائق متعددة الاستخدامات: يجب التخطيط للساحات والحدائق العامة بحيث يكون لها تأثير إيجابي على الصحة النّفسية للمواطنين. فهي أماكن يشعر فيها الناس بالأمان للالتقاء والتواصل واللعب فيها. ويجب أن تكون هذه الأماكن قادرة على المساعدة في بناء الاقتصادات المحلية وتعزيز التواصل الاجتماعي والسعادة البشرية. ويجب أن يكون الناس قادرين على القيام بالعديد من الأمور المختلفة في هذه الأماكن حتى يتم اعتبارها أماكن عامة ناجحة. ولذلك، غالبًا ما تخطّط المدن حول العالم، مثل نيويورك وفيينا وغيرهما من المدن الأخرى لإنشاء ساحات وحدائق متعددة الاستخدامات يتوفّر فيها العديد من الأنشطة والمعالم السياحية المناسبة لجميع الأعمار. غير أنّ مرض كوفيد-19 قد دفع المدن إلى اتخاذ تدابير إضافية من خلال إنشاء مساحات جلوس بعيدة عن بعضها البعض مسافة آمنة. فعلى سبيل المثال، تم تصميم حديقة Parc de la Distance في فيينا لإنشاء حديقة خالية من الحشود تستخدم نظام متاهات لضمان اتخاذ تدابير السلامة، بما فيها تدبير التباعد الاجتماعي.
3. تحسين الشوارع العامة: تشكّل الشوارع ذات التصميم الجيد عنصرًا أساسيًّا في نجاح كلّ مدينة. ويتمحور الشارع المخطّط جيدًا حول الإنسان ويأخذ في الاعتبار البرنامج وكيفية استخدام الوظائف التي يتم تنفيذها فيه والطريقة التي يستخدم بها الناس المساحة. ويجب أن تكون الشوارع مصمّمة للأشخاص والأماكن وليس للسيارات فحسب. وفي الواقع، يجب أن يكون الشارع المثالي قادرًا على دعم وسائل النقل المختلفة، مثل السيارات والقطارات والحافلات والدراجات والمشي. وتؤثّر الشوارع ذات التخطيط الجيّد أيضًا على العناصر التي يمكن أن يتمّ بناؤها في تلك الشوارع، سواء أكان ذلك مطعمًا أو مبنى أو محطّة توقّف. وتساعد هذه العناصر جميعها في خلق المزيد من التفاعلات الشخصية بين المواطنين. وقد دفع مرض كوفيد-19 المدن إلى توفير مساحة أكبر للمشي وركوب الدراجات في شوارعها، مع قيام بعض المدن بإعادة تخصيص بعض شوارعها لخلق المزيد من المساحات الخارجية. وتتطلّع بعض المدن أيضًا، مثل سان دييغو على سبيل المثال، إلى تعزيز الممرات الخاصّة لمرور المشاة من خلال إنشاء أزرار أكبر حجمًا يمكن الضغط عليها بالساعدين أو المرفقين، وذلك للتّقليل من فرصة لمس الأسطح التي يحتمل أن تكون ملوثة في الأماكن العامة. أمّا في ساسكاتون في كندا، أصبحت الأزرار الآن آلية، ممّا يعني أن الإشارات أصبحت تعمل الآن من دون الحاجة إلى الضغط على زر التفعيل.
4. دعم الاقتصادات المحلّيّة: تُعتبر المؤسسات التجارية المحليّة والأسواق العامة وجهات حضرية يجتمع فيها الناس ويتبادلون السّلع والأفكار. ويجب أن تكون هذه الأماكن منتجة وديناميكية، وأن تكون قادرة على ترسيخ الروابط الاجتماعية وتعزيز الصّحّة الاجتماعية. وتعتمد المدن على المؤسسات التّجاريّة والأسواق لتحقيق الازدهار، مما يدفعها غالبًا إلى دعم وتشجيع المبادرات الجديدة وريادة الأعمال. غير أنّ مرض كوفيد-19 قد أثّر كثيرًا على المؤسسات التّجاريّة المحلية، ولذلك، تبحث المدن عن طرق جديدة لدعم اقتصادها المحلي. فقد بدأ بعضها، على سبيل المثال، في جمع الموارد للمؤسسات التّجاريّة الصغيرة وتقديم العروض الترويجية وبطاقات الهدايا للعملاء لتشجيعهم على شراء السلع والخدمات المحلية. كما بدأت برعاية المطاعم المحلية لإعداد وجبات متنوعة للمواطنين المحليين.
5. تصميم مباني عامّة جذّابة: تتمثّل إحدى الاستراتيجيات الأخرى لتصميم الأماكن بشكل ناجح في تصميم المباني المشتركة مع تصميمات داخلية ممتعة تشجّع الجمهور على استخدام المساحة. وتقدّم المباني الجذّابة أيضًا المزيد من الفرص للتفاعلات الشّخصية، حيث يمكن للديكورات الداخلية المثيرة للاهتمام أن تثير المحادثات بين الزّوار. وتشكّل المؤسسات العامة والمتاحف والمكتبات والمباني الحكومية بعض الأمثلة على المباني التي يمكن أن تجذب المزيد من الناس والتي يمكن أن تقدّم الدعم الاقتصادي الجيد للمدن وأن تخرِط البيئة الحضرية المحيطة. وتضع المدن اليوم لوائح جديدة للمؤسسات العامة، إذ يتعين عليها الآن فتح أبوابها بسعة منخفضة للغاية. وتتّخذ بعض المؤسسات تدابير جديدة عبر وضع استراتيجيات جلوس خاصّة بها تؤدّي إلى إنشاء مساحات خارجية تراعي قواعد التباعد الاجتماعي.
6. ضمان المشاركة المجتمعية: تضمن عمليّة تصميم الأماكن الناجحة تلبية احتياجات المجتمع. ولذلك، من المهم أن تُشرك المدن السكان المحليين في مشاريع التخطيط الخاصّة بها. فيفهم السكان المحليون بشكل أفضل احتياجاتهم ويمكنهم مساعدة المدن عبر تقديم رؤى ومعلومات حول مكان معين. فالسّكان هم الأشخاص الذين يستخدمون المساحة بانتظام وبالتالي يشكّلون المصدر الأفضل لتقديم الأفكار حول الاستخدامات الأمثل للأماكن. وتعتبر الشراكات أيضًا عاملاً مهمًا يساهم في نجاح عمليّة تصميم الأماكن وصورة أيّ مكان عامّ يحتاج إلى التصميم. ويمكن لهذه الشراكات المساعدة في التمويل وتقديم الأفكار والرؤى حول كيفية تحسين مساحة عامة معينة. وكما كان الحال دائمًا، يُعتبر إشراك المهنيين، مثل المهندسين والمصمّمين والمخطّطين الحضريين، أمرًا مهمًّا أيضًا الآن أكثر من أي وقت مضى لأنهم يعملون كميسّرين لرؤية المدن ويمكنهم تنفيذ تصميمات جديدة يمكن أن تكون مناسبة للمواطنين خلال الوباء. وبالتالي، يكمن مفتاح النجاح هنا اليوم في توفير الاتصال المناسب بين السكان المحليين والحكومة المحلية من خلال تكليف مصمّم الأماكن بتشجيع جميع السّكان على التفكير في ما هو مميز في مجتمعاتهم.
وتؤدي عمليّة تصميم الأماكن دورًا رئيسًا في تحقيق مجتمع مستدام يسعى إلى الحفاظ على خصائصه الاقتصادية والبيئية والاجتماعية وتحسينها من أجل استمرار أعضائه في عيش حياة صحية ومنتجة وممتعة. وتؤدي عمليّة تصميم الأماكن دورًا هنا أيضًا، حيث تساعد في تنسيق توقعات المجتمع واحتياجاته. وغالبًا ما تبدأ المدن بالتخطيط للأمور الصغيرة، أو بتنفيذ خطط صغيرة، مثل إنشاء أماكن للجلوس، أو بناء أرصفة، أو رسم ممرات المشاة، أو فتح مقهى، أو التخطيط للفعاليات. وبسبب تأثير مرض كوفيد-19 على المجتمعات المحلية، أصبحت المدن الآن مسؤولة بشكل أكبر عن رفاهية الناس وصحتهم، وتهدف إلى إنشاء أماكن تساهم في إحداث تأثير إيجابي ودائم على المجتمع من خلال تنفيذ عمليّة تصميم أماكن ناجحة.