تطويع البنى القائمة لأغراض أخرى: تحويل الأعباء إلى أصول
إنّ تطويع البنى القائمة لأغراض أخرى، أو ما يسمّى أيضًا “إعادة الاستخدام المتكيِّف”، تشير إلى عملية أخذ مبنى قائم في حالة متدهورة وتحويله ثمّ إعادة استخدامه لغرض آخر يختلف عن الغرض الذي كان مخصصًا له لأول مرة. وعلى الرّغم من أنّ إعادة الاستخدام المتكيِّف توّفر مزايا اقتصادية واجتماعية وبيئية مختلفة، تتوفّر بعض العوامل التي يمكن أن تؤثّر على عملية صنع القرار المتعلقة بتنفيذها، وعوامل أخرى يمكن أن تساعد في ضمان نجاح مشاريع مماثلة.
تشكّل العقارات الشاغرة والمهجورة – سواء أكانت مراكز تسوق فارغة أو منازل غير مأهولة أو مصانع غير مستخدمة – مؤشرًا يدلّ على تراجع أصول المجتمع القيّمة. وليست العقارات التي تتحول من إنتاجية إلى مهجورة محصورة بالمدن فحسب، إذ يمكن العثور عليها أيضًا في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الريفية والضواحي، مما يخلق تأثيرًا اقتصاديًا واجتماعيًا سلبيًا على المجتمع. غير أنّ المباني المهجورة تشكّل فرصة جيدة لتحويلها وإعادة استخدامها وتحفيز التنمية والنمو الاقتصادي، لتصبح هذه المباني أصولًا تساهم في إعادة إنعاش الأحياء السكنية وتحسين نوعية الحياة فيها.
وإنّ تطويع البنى القائمة لأغراض أخرى، أو ما يسمّى أيضًا “إعادة الاستخدام المتكيِّف”، تشير إلى عملية أخذ مبنى قائم في حالة متدهورة وتحويله ثمّ إعادة استخدامه لغرض آخر يختلف عن الغرض الذي كان مخصصًا له لأول مرة. وتشمل المباني التي يمكن إعادة استخدامها المباني الصناعية والمباني الحكومية والمباني المجتمعية. فعلى سبيل المثال، يمكن تحويل الفنادق إلى مستشفيات والمدارس إلى مراكز مجتمعية والمصانع إلى مجمعات سكنية. كما يمكن ترميم المباني البعيدة المطلة على مسطحات مائية أو مناظر طبيعية شاسعة لتصبح منتجعات، وبالتالي معالم سياحية شهيرة.
ويمكن أن يجد المطورون عملية إعادة الاستخدام المتكيِّف استراتيجية جذابة ومناسبة ليتمّ تبنّيها بدلاً من عمليات البناء الجديدة. وعلى الرّغم من أنّ إعادة الاستخدام المتكيِّف توّفر مزايا اقتصادية واجتماعية وبيئية مختلفة، تتوفّر بعض العوامل التي يمكن أن تؤثّر على عملية صنع القرار المتعلقة بتنفيذها، وعوامل أخرى يمكن أن تساعد في ضمان نجاح مشاريع مماثلة.
مزايا عملية إعادة الاستخدام المتكيِّف
- وفورات في تكاليف مواد البناء: من خلال الاستفادة من البنى القائمة، تنخفض نسبة شراء مواد البناء الجديدة وتركيبها ويتمّ التوفير في الموارد لأن البنية التحتية والمبنى قائمين بالفعل، مما يساعد على توفير المال على المطورين، إذ يصبح بإمكانهم استخدام المواد المعاد تدويرها.
- وفورات في تكاليف الهدم: يمكن أن تكون عمليات الهدم والبناء الجديدة مكلفة للغاية على المطورين والمصممين. فقد يساعد اعتماد عملية إعادة الاستخدام المتكيّف على توفير تكاليف المعدات القوية، مثل الحفارات والجرافات، وكذلك تكاليف التخلص من النفايات المرتبطة بعمليات الهدم.
- توفير الوقت: يعتبر الوقت عاملاً مهمًا للمطورين والمصممين. لذلك، يعتبر استخدام مبنى قائم جزءًا أساسيًا من عملية إعادة الاستخدام المتكيّف، إذ يستغرق تشييد مبنى جديد وقتًا أطول بكثير من تجديد المبنى القائم. وفي الواقع، عندما تكون الأجزاء الرئيسة في المباني سليمة وبعض عناصرها متاحة للاستخدام، تنخفض الحاجة إلى بناء أجزاء جديدة بشكل كبير.
- انخفاض الخسائر العامة والاجتماعية: يوفّر تجديد المباني الشاغرة فرصة لزيادة جاذبية الأحياء السكنية في السوق، ولإعطاء البيئة المبنية مظهر جمالي أفضل وجذب المزيد من الناس إلى المجتمع. وتساعد عملية إعادة الاستخدام المتكيِّف على محاربة التدهور الاقتصادي وعكس تأثيراته في المجتمعات والحد من نزوح السكان.
- المحافظة على الطاقة: يمكن لإعادة الاستخدام المتكيِّف أن يساعد في الحفاظ على الطاقة المجسدة للمبنى، وكذلك خفضها باستخدام المواد المتاحة في الموقع والاستفادة من البنية التحتية القائمة، مثل الوصول إلى النقل العام وغيرها من المرافق الهامة الأخرى. وقد يؤدّي تطويع أي بنية قائمة إلى انخفاض الحاجة إلى الاستهلاك الكبير للطاقة المرتبط بعمليات الهدم وإدارة نفايات مواد البناء وشراء مواد جديدة.
العوامل المؤثرة على إعادة الاستخدام المتكيِّف
هناك العديد من العوامل الأساسية التي تؤثر على عملية صنع القرار في ما يتعلّق بإعادة الاستخدام المتكيِّف، وهذه العوامل هي التالية:
- العوامل الاقتصادية:
الاستثمار الرأسمالي: تعتمد معظم مشاريع إعادة الاستخدام المتكيِّف على جدواها الاقتصادية. فغالبًا ما يهتم مالكو المباني بالاعتبارات المالية التي تشمل تكاليف التطوير وتكاليف البناء وعوائد الاستثمار بالإضافة إلى متطلبات التسويق والصيانة والتكاليف التشغيلية. وتدفع الرغبة في تحقيق أرباح قصيرة الأجل بشكل رئيسي قرار إعادة استخدام أو هدم الأصول المبنية. ففي الواقع، غالبًا ما يبدي المالكون والمطورون اهتمامًا أكبر للاستثمار في المشروع إذا كان من الممكن تحقيق نمو تجاري منه.
حالة المبنى: يتم أخذ العديد من العوامل في الاعتبار قبل تحديد ما إذا كان المبنى القائم مناسبًا لإعادة الاستخدام المتكيف. فيعتمد قرار إعادة استخدام مبنى مهجور في بعض الأحيان على حالة المبنى ومقدار التكلفة التي سيتمّ تكبّدها في عمليّة التحول الجديدة. فعندما يتمتّع المبنى الذي ستتم إعادة استخدامه بحالة جيدة، تنخفض تكاليف الصيانة، مما يزيد من احتمال تنفيذ مشاريع إعادة الاستخدام المتكيّف. أما العامل الآخر الذي يؤثر على صنع القرار المتعلّق بإعادة الاستخدام المتكيّف هو المساحة، إذ إنّه من الصعب جدًا إعادة استخدام المباني القائمة في مساحات محدودة مما يؤثر على قرار تنفيذ هذه المشاريع أيضًا. ويعتبر وجود المواد والعيوب الخطرة في هيكل المبنى من العوامل الرئيسة التي تؤثّر على إعادة الاستخدام المتكيف أيضًا، إذ إنّها تشكّل خطرًا على حياة الناس.
اللوائح: غالبًا ما يجد المصممون والمطورون أنّه هناك نقص في الدعم والتشجيع من قبل الحكومات المحلية لتطبيق إعادة الاستخدام المتكيف على البنى القائمة، مما يثنيهم غالبًا عن محاولة الاحتفاظ بهذه المباني. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تشكل قوانين البناء حواجز كبيرة تواجه عملية إعادة الاستخدام المتكيف، لأنّها غالبًا ما تكون غير مرنة وتحد من تنفيذ تصاميم إعادة الاستخدام المتكيف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأوراق والوثائق القانونية، مثل التصاريح والموافقات، أن تستغرق وقتًا أطول بكثير من المتوقع للحصول عليها، ما قد يؤدّي إلى وقف المشروع وجعل العملية أطول، ما يؤثر بالتالي على عملية صنع القرار المتعلقة بمشاريع إعادة الاستخدام المتكيف.
- العوامل الاجتماعية:
تعتبر المباني بشكل عام بمثابة كتب قصصية تخبر قصص الماضي وتساعد الناس على فهم الغرض الذي اعتادت هذه المباني أن تؤدّيه. ويمكن أن يؤثر عدم إعادة استخدام المباني القائمة تأثيرًا سلبيًا على المجتمع، فيؤدي إلى خسارة مالية وإلى غياب الارتباط الاجتماعي. ويمكن لإعادة استخدام المباني التي لها معنى خاص لدى المجتمعات أن تزوّد الأحياء السكنية بهوية، وأن تضيف طابعًا عليها وأن توفر للمجتمع مركزًا وسمعة جيدة. ويمكن أن يجعل انخفاض المباني المهجورة المجتمع أكثر حيوية ويحسّن من مستويات المعيشة من خلال إعادة الإنعاش والاستثمارات.
- العوامل البيئية
كفاءة استخدام المياه: تعتبر المياه، كما هو الحال في جميع جوانب الحياة الأخرى، مكونًا مهمًا في البناء، حيث يتم استخدامها في جميع عمليات البناء مثل التنظيف وخلط الخرسانة والتصنيع واستخراج المواد والسباكة وغيرها. ويمكن أن تساعد إعادة الاستخدام المتكيف في تخفيض استهلاك المياه وأن تكون عمليّة صديقة للبيئة، حيث سيتم استخدام كمية أقل من المياه لإنهاء المشروع.
الحفاظ على الطاقة: يمكن لإعادة الاستخدام المتكيف أن يساعد في الحفاظ على الطاقة باستخدام المزيد من المواد المتجددة والمتاحة، مما يساعد على تحقيق المزيد من الاستدامة البيئية عن طريق الحد من الاحتباس الحراري وتغير المناخ والتلوث الناجم عن النقل والشحن واستهلاك الطاقة المرتبط بشراء المواد وعمليات الهدم والبناء جديدة.
المواد والموارد: يمكن لإعادة الاستخدام المتكيف أن تساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية والمحدودة التي يتم استخراجها عادة من الأرض لأنه نادرًا ما يتم استخدام مواد بناء جديدة أثناء تنفيذ العملية. وفي العادة، يتم استخدام المواد المعاد تدويرها بشكل أكبر، ولذلك، تعتبر هذه الاستراتيجية أكثر استدامة وصديقة للبيئة.
الحفاظ على التراث المبني: يمكن لإعادة الاستخدام المتكيف أن تساعد في الحفاظ على المباني التراثية وحمايتها من الهدم والتغييرات غير الصالحة. فالمباني التاريخية تشكّل رابطًا للمجتمع الحديث إلى الماضي وبالتالي تتمتع بأهمية كبيرة لدى المجتمع، إذ تساعد في فهم حكاية الأشخاص الذين كانوا يسكنون المدينة. ويمكن أن يؤدي الحفاظ عليها إلى تعزيز التطور التاريخي والاحتفاظ بالهوية الثقافية للمجتمع.
التجديد الحضري: يعد التجديد الحضري جانبًا مهمًا جدًا من عملية إعادة الاستخدام المتكيف إذ يمكن لهذه العملية تحويل المباني الشاغرة إلى مباني مربحة وقابلة للاستخدام من خلال تحسين حالة هذه المباني، ما قد يساعد في تحقيق التجديد الحضري بطريقة مستدامة وتحقيق تحسينات دائمة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمجتمع.
منهجية إعادة الاستخدام المتكيف
قد لا تنجح عملية إعادة الاستخدام المتكيف بدون إجراء دراسات الجدوى، إذ يجب أن تؤخذ عوامل أخرى في الاعتبار قبل عملية تصميم المباني المهجورة. فيجب إجراء مسح شامل لتقييم حالة المبنى، في حال ينبغي إضافة المزيد من العناصر عليه لضمان سلامة السكان.
- تقييم حالة المبنى ومعاينة الحي السكني: قبل البدء في العمل على مشروع إعادة الاستخدام المتكيف، يجب تقييم حالة المبنى قيد الإنشاء لضمان نجاح المشروع. وتتضمن بعض العناصر التي قد تحتاج إلى تقييم، على سبيل المثال لا الحصر: السلامة الهيكلية وثبات المبنى، وأنظمة السباكة، والأسلاك الكهربائية، والتبليط، والأعمال الخشبية. ويعتبر هذا التقييم مهمًا لأنه قد يساعد المطورين على تجنب مخاطر السلامة. وبعد الانتهاء من تقييم المبنى، ينبغي أن يجري المطورون معاينة مادية للحي السكني لتحديد ما إذا كانت البيئة المحيطة آمنة ومستقرة وتشمل المرافق الضرورية مثل الطرق والنقل والمستشفيات والمدارس، وإلخ.
- الاعتبارات المالية: بمجرد تجديد جزء من المبنى القائم، يصبح الإشغال المبكر للمبنى خيارًا قابلاً للتطبيق، ما يمكن أن يوفر تدفقًا نقديًا كبيرًا للمطورين أثناء عمليةّ إكمال ما تبقى من المشروع. أما بالنسبة لتكاليف المسوحات والتفتيش، فيمكن إعداد ميزانية ويمكن للمالكين والمطورين طلب المساعدة من الصناديق والبنوك وشركات التأمين للمساعدة في الشؤون المالية.
- عقد المهندس: سيتحتّم على المهندس، وهو قائد المشروع من حيث التصميم والتخطيط، العمل بموجب عقد ومتابعة تقدم التصميم وإجراء زيارات وتقييمات للموقع، وغيرها من المهام الأخرى.
- دراسة تفصيلية للهيكل: قبل البدء في عملية التصميم النهائية للمبنى، يجب على المهندسين والمطورين إجراء دراسة تفصيلية للهيكل، حيث ينبغي البحث عن علامات التصدع في الجدران الداخلية والخارجية، وعن أي تسرب للمياه، بغية الكشف عن أي دليل على وجود مشاكل في أساس البناء. ويجب أيضًا تحليل السلامة الهيكلية للمبنى، مع وضع عناصر التآكل، والارتخاء في المحامل، والمسامير، والألواح الخشبية ضمن لائحة الأولويات القصوى لضمان سلامة السكان في المستقبل. من ناحية أخرى، يجب أن يكون المبنى قادرًا على استيعاب العناصر المهمة، مثل السباكة والتهوية والتدفئة وتكييف الهواء والأسلاك الكهربائية لتحقيق المزيد من الكفاءة في استخدام الطاقة. أمّا السلالم والمخارج فهي أيضًا عنصر مهم آخر ينبغي إضافته إلى المبنى تحسّبًا لحالات الطوارئ ومخاطر الحريق.
- توفير الطاقة: لكي يكون المبنى المعاد استخدامه أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، يجب أن يكون غلاف المبنى قادرًا على حمايته من الظروف الجوية الخارجية. لذا، من المهم إغلاق النوافذ وأنظمة الأبواب لتجنب أي تسرب أو اختراق للحرارة. وتعتبر إضافة مواد العزل للسقف والمواد العازلة للأرضية مهمة جدًا أيضًا لتجنب فقدان الحرارة في الطقس البارد وكسب الحرارة في الصيف. وسيساعد ذلك على تخفيض استهلاك الطاقة وتقليل العبء على أنظمة التدفئة والتبريد.
غالبًا ما تفرض المباني المهجورة عبئًا ثقيلًا على المجتمعات وتنميتها المستدامة. ويمكن أن تدمر هذه المباني الحي السكني المحيط وأن تقوض نوعية الحياة فيه. كما يمكن أن تقلل من قيمة الممتلكات القريبة الأخرى، مما يؤدي إلى التدهور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع. وتعتبر إعادة الاستخدام المتكيف استراتيجية مناسبة يمكن أن تساعد في جعل المجتمع أكثر جاذبية وأن تؤدي إلى نموه في المستقبل من خلال تحويل المباني المهجورة إلى أصول مربحة من شأنها أن تساهم في إعادة إنعاش الحي السكني المحيط وتحسين نوعية الحياة لسكانه.