مستقبل تجارة التجزئة في عصر التحول الرقمي

مستقبل تجارة التجزئة في عصر التحول الرقمي

مع تسارع التحول الرقمي في جميع أنحاء العالم وتأثيره على جميع جوانب حياتنا، تشهد تجارة التجزئة زيادة كبيرة بشكل خاص في الاستهلاك عبر الإنترنت، وخاصة في الأيام الأخيرة، بسبب تواجد العالم في قبضة فيروس كوفيد-19 الخانقة. وتتحول تجارة التجزئة بشكل كبير اليوم عن طريق تقنيات مثل إنترنت الأشياء وتكنولوجيا الهاتف المحمول التي أحدثت تغييرات في كيفية تسوق الناس وتوقعاتهم بشأن تجارب البيع بالتجزئة.

ويطلب العملاء اليوم من تجّار التجزئة توفير تجربة تسوق ملائمة أكثر مع توفير مجموعة واسعة من العروض ذات الصلة، وسهولة الوصول، وواجهات أبسط. وتبحث الأعمال التجارية الآن عن طريقة لتلبية متطلبات العملاء المتغيرة والتعامل مع ظروف السوق المتغيرة، وخاصّة وأنّ معظم متاجر الطوب والملاط والأسواق التجارية ومراكز التسوق تختار أن تخلق وجودًا بارزًا عبر الإنترنت. واليوم، يبحث مصممو التجزئة والمهندسون المعماريون أيضًا عن تقنيات مبتكرة لتعزيز القدرة التنافسية والحفاظ على استمرارية الأعمال.

إليك كيف ستبدو تجارة التجزئة في المستقبل، بينما ننظر في بعض إيجابياتها وسلبياتها:

مستقبل تجارة التجزئة

1- ستنتقل معظم الأعمال التجارية إلى العمل على شبكة الإنترنت
يبدو أنّ تجّار التجزئة قد احتضنوا أخيرًا خلال العقد الماضي التجارة على شبكة الإنترنت. فانتقلت تجارة التجزئة العالمية في هذه الفترة إلى شبكة الإنترنت وتألّفت إلى حدّ كبير من المنتجات التي يسهل التجارة بها نسبيًا، مثل الإلكترونيات وشركات الطيران وتذاكر الأحداث والأحذية والمكياج والملابس ومجموعة من السلع الأخرى. وسيستمر هذا الاتجاه في التصاعد لتصبح التجربة بأكملها أكثر كفاءة بالنسبة إلى العملاء. ويرجع السبب في ذلك إلى أنماط الحياة المتغيرة وضيق الوقت، حيث يفضّل الناس عدم قضاء ساعات طويلة في القيادة إلى السوق ومراكز التسوق ومحلات البيع بالتجزئة لشراء السلع التي يحتاجونها، بل يفضلون بدلًا من ذلك طلبها عبر الإنترنت. وتكتسب المتاجر عبر الإنترنت إقبالًا أكبر لأنّه يتمّ توفير أسعارًا أفضل وخيارات أوسع بكثير إلى الناس، حيث يتم توصيل كلّ شيء تقريبًا إلى المنزل من أيّ مكان في العالم. ومع انتشار فيروس كوفيد-19 وتعرّض الناس في جميع أنحاء العالم إلى الخطر، حدثت قفزة كبيرة وتحوّل كبير نحو الشراء والبيع عبر الإنترنت بسبب مسألة التباعد الاجتماعي والإقفال التام، ولا سيّما بسبب المرونة والراحة والأسعار الأفضل التي توفرها هذه العملية.

2- لن تختفي المحلات الفعليّة من الوجود
على الرغم من أنّ المتاجر عبر الإنترنت لا تزال في حالة ازدهار، وفي غضون بضع سنوات، سينتقل معظم استهلاكنا اليومي إلى الإنترنت، ستبقى بعض الأنشطة التجارية بحاجة إلى متجر فعلي. في الواقع، تتمثّل بعض الأعمال التي ستظلّ تقاوم التجارة الإلكترونية في صناعة البيع بالتجزئة في السيارات والمجوهرات والعقارات والمستحضرات الصيدلانية والمفروشات المنزلية. ولا يزال أصحاب هذه الأعمال يشعرون بالحاجة إلى الحفاظ على متاجرهم. فستحتاج المجوهرات، على سبيل المثال، إلى أن يتمّ فحصها عن كثب دائمًا لتجنّب الاحتيال، في حين أنّ العناصر الأخرى، مثل قطع الأثاث الكبيرة، ستحتاج إلى مصدر شحن موثوق ومناسب. وستحتاج بعض المنتجات الصيدلانية أيضًا إلى وصفات طبية يجب التأكد منها فعليًا لتجنب تعريض المرضى إلى الخطر.

3- الذكاء الاصطناعي في تصميم وبناء متاجر التجزئة
بازدياد الضغط للتحول نحو البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، يطلب تجار التجزئة من المهندسين المعماريين ومصممي التجزئة العثور على طرق جديدة لدمج المساحة المادية والرقمية لتزويد الجمهور بتجارب جديدة ومحسّنة. ولهذا السبب، يبحث المصمّمون عن استجابات وحلول للتصميم المادي لاحتضان ظاهرة التجارة الإلكترونية. إذ لم تعد تجارة التجزئة تدور حول المنتجات فحسب، بل أصبحت تدور الآن أيضًا حول العلاقة بين الشركة وعملائها، حيث يجب برمجة متاجر الطوب والملاط لتقديم مستوى الاستهداف والتخصيص نفسه الذي يتمّ تقديمه عبر الإنترنت. وسيعني ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل بيانات العملاء إلى تجارب شخصية. وتشمل بعض هذه التقنيات، على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

أ- الروبوتات: في حين يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً، سيتم دمج الروبوتات أكثر في العمليات اليومية للأفراد، وستضطلع بأدوار أكبر وتتفاعل مع الموظفين والمستهلكين على حد سواء.

ب- غرف الملابس الرقمية: غرف الملابس الافتراضية هي النظير الرقمي عبر الإنترنت لغرفة القياس في المتاجر. وستتيح هذه الغرف للمتسوقين تجربة الملابس افتراضيًا وليس جسديًا والتحقق من حجم وتصميم واحد أو أكثر، وبالتالي ستساهم في تقليل المرتجعات وتوفير تجربة تسوق أكثر كفاءة عبر الإنترنت.

ج- صالة العرض: أصبح تصميم متاجر الطوب والملاط كصالات عرض اتجاهًا جديدًا اليوم. وليست صالة العرض مفهومًا جديدًا في عالم البيع بالتجزئة. فكانت تعني تقليديًا أن يزور المتسوقون متاجر الطوب والملاط لاختبار المنتجات وتجربتها، وأن يشتروها في النهاية عبر الإنترنت، حيث يمكنهم توفير بعض المال وشحن المنتجات مباشرة إلى منازلهم. وفي المستقبل القريب، ستتبنى متاجر الطوب والملاط استراتيجية صالة العرض، مما يسمح للعملاء بشراء المنتجات في المتجر والمغادرة من دون عبء حمل أكياس التسوق، إذ ستصل المنتجات التي تمّ شراؤها إلى عتبة منزل المتسوق في وقت لاحق.

د- الشاشات التفاعلية: باستخدام الشاشات التفاعلية، يمنح تجار التجزئة العملاء الفرصة للتفاعل مع المنتجات. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد الشاشات الغامرة في عرض المزيد من التفاصيل حول السلعة الذي اختارها العميل. ويمكن أن تتيح المرايا التفاعلية في غرف القياس للعملاء فرصة الاطلاع على مخزون المتجر والتفاعل مع مندوب المبيعات وتقديم الطلبات من خلال المرايا. ويمكن للمرآة أيضًا تقديم توصيات للعملاء حول سلعة ما.

4- مدن التسوق الصغيرة
في المستقبل، ستصبح مراكز التسوق مدن صغيرة شديدة الارتباط يمكنها أن تجمع بين الترفيه والعافية والتعلم والمطابقة الشخصية للمنتجات. ويمكن أن تحتوي مراكز التسوق المستقبلية على غرف صامتة للقراءة والراحة وقاعات أنشطة لورش العمل. وفي الواقع، يمكن أن تتحول مراكز التسوق إلى أماكن ترفيهية أيضًا، مما يوفر أماكن خاصة للعملاء للاستمتاع بجميع أنواع الأنشطة الترفيهية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تظهر متاجر البيع بالتجزئة الفوري أيضًا أكثر وأكثر في مراكز التسوق في المستقبل، حيث أصبحت هذه المتاجر تمثّل استراتيجية يلجأ إليها تجّار التجزئة للتسويق وتوسيع أعمالهم وتقديم منتجات جديدة. وفي بعض مراكز التسوق، سيتمكّن المتسوقّون أيضًا من العثور على مساحات لوسائل التواصل الاجتماعي أو لتجارب الواقع الافتراضي ستساعد في جذب المتسوقين وإبقائهم لفترة أطول في المركز التجاري.

إيجابيات وسلبيات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت

تتوفّر العديد من المزايا لممارسة الأعمال التجارية عبر الإنترنت. ومع ذلك، يمكن أن تشكّل إدارة أعمال التجارة الإلكترونية تحدّيًا أيضًا. وفي ما يلي بعض إيجابياتها وسلبياتها:

الإيجابيات

1- سوق أكبر: يساعد البيع بالتجزئة عبر الإنترنت تجار التجزئة على الوصول إلى العملاء في جميع أنحاء البلاد وحول العالم. فيمكن للعملاء شراء السلع في أي مكان وفي أي وقت في العالم.

2- تكاليف مالية منخفضة: يجب على متاجر التجزئة المادية دفع آلاف الدولارات مقابل الإيجار، واللافتات، والتصاميم، والمخزون، والمعدات، والموظفين. وتعتبر التكاليف المتكبَّدة على التجزئة على الإنترنت أقلّ، إذ إنّ نفقات الأعمال بشكل عام أقل بكثير في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، حيث أنّ شعار المتجر أقل تكلفة وسعره معقولًا أكثر من لافتة المتجر. كما لا يتطلب البيع بالتجزئة عبر الإنترنت توفّر مخزون ضخم، ممّا يمكن أن يساعد في توفير المزيد من المال.

3-المزيد من الدخل المحتمل: تتمثّل أهمّ مزايا التجارة الإلكترونية في أنّ المتاجر عبر الإنترنت مفتوحة دائمًا للأعمال. فمن خلال القدرة على العمل طوال الوقت، يساعد البيع بالتجزئة عبر الإنترنت تجار التجزئة على كسب المزيد من المال وجذب المزيد من الأشخاص الذين لديهم أوقات عمل متأخرة.

4- الوصول إلى بيانات العميل: من أفضل مزايا التجارة الإلكترونية أنها تساعد التجار على الوصول إلى بيانات العميل لتحليلها. وستساعد هذه البيانات في التعرف على العملاء جيدًا والحصول على المزيد من المعلومات منهم لتقديم خدمة أفضل لهم وتقديم اقتراحات وتوصيات أفضل.

5- الشراء الاندفاعي: يميل العملاء إلى الشراء بشكل اندفاعي عند تصفح المتاجر عبر الإنترنت. ويمكن أن يساعد امتلاك واجهة رائعة مع صور جيدة ومثيرة للاهتمام وحيوية للمنتج في تعزيز وزيادة الشراء الاندفاعي، وبالتالي زيادة الأرباح.

السلبيات

1- الحاجة إلى الوصول إلى الإنترنت وتعطّل الموقع الإلكتروني: يحتاج عملاء المتاجر عبر الإنترنت إلى الوصول إلى الإنترنت حتى يتمكنوا من الشراء من المتاجر. ونظرًا إلى أنّ العديد من منصات التجارة الإلكترونية تتطلب الوصول إلى الإنترنت العالية السرعة لتوفير أفضل تجربة للعملاء، فقد يتمّ استبعاد الزوار الذين لديهم اتصالات بطيئة من هذه التجربة. ومن ناحية أخرى، تتمثّل أسوأ سلبيات التجارة الإلكترونية في عدم القدرة على الشراء من المتاجر عبر الإنترنت في حالات تعطّل الموقع. ولذلك، من المهمّ استضافة الموقع على المنصة المناسبة.
2- الاحتيال في استخدام البطاقات الائتمانية: يعتبر الاحتيال في الدفع مشكلة قديمة تتزايد منذ فترة طويلة وهي تصبح أكثر شيوعًا في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت. ويمكن أن تؤدي هذه المشكلة إلى عمليات إرجاع المبالغ المدفوعة ما يؤدي إلى خسائر في الإيرادات وسمعة سيئة للمتجر عبر الإنترنت وعقوبات.

3- المشاكل الأمنية: يعتبر الأمن السيبراني مسألة مهمّة بالنسبة إلى العملاء. فمن المهّم تجنب الوقوع فريسة للقراصنة الخبيثين الذين يسرقون المعلومات من قواعد البيانات. ويمكن أن يترتب عن هذه المسألة العديد من الآثار القانونية والمالية وهي ترتبط بتراجع الثقة في العمل التجاري.

4- الشحن: على الرّغم من أنّ الشحن يمثّل قفزة كبيرة في تجارة التجزئة، فهو لديه سلبياته وتحدّياته، إذ يمكن أن تضيع الطرود أو أن تُسرق أو أن تنكسر. ومن ناحية أخرى، وبغضّ النظر عن مدى سرعة تعبئة المنتجات، فليس هناك ما يضمن وصول المنتجات إلى وجهاتها في الوقت المحدد.

5- مقارنة الأسعار والمنتجات: يمنح البيع بالتجزئة عبر الإنترنت المتسوقين عبر الإنترنت الحرية والوقت لمقارنة الأسعار والمنتجات والعثور على أدنى الأسعار وأفضل الصفقات، مما يجبر تجار التجزئة على التنافس على السعر وتقليل هامش الربح لديهم.

يواجه تجار التجزئة والمهندسون والمصممون اليوم مجموعة متنوعة من التحديات. ففي عصر التكنولوجيا، بدأت المتاجر المادية في الانخفاض، بينما يزدهر التسوق عبر الإنترنت. ومن المهم أن يعمل تجار التجزئة والمصممون بجدّ أكثر من أي وقت مضى للعثور على طرق مبتكرة وتصميمات أكثر إبداعًا لضمان عودة المتسوقين إلى المتاجر الفعلية وخلق جو مثالي في المتجر. وقد يتمثّل الحلّ الأكثر وضوحًا في تجارة التجزئة في مزج ودمج مساحات البيع بالتجزئة الفعلية والإلكترونية معًا لخلق تجربة مريحة وسلسة للعملاء.

Share post:

Leave A Comment

Your email is safe with us.