الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق النّجاح في التنمية الحضرية [الجزء الأول]

الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق النّجاح في التنمية الحضرية [الجزء الأول]

في الجزء الأول من هذه المقالة، نتناول موضوع الشراكات بين القطاعين العام والخاص وكيف يمكنها أن تؤدّي دورًا رئيسًا في نجاح التنمية الحضرية وفي بناء مدن ملائمة للعيش وذكية للسكان. ثمّ نذكر في الجزء الثاني أنواع الشراكات بين القطاعين العام والخاص المختلفة والتحديات التي قد تعيق عملها، وسنقترح بعض الحلول لها.

تعمل المدن حول العالم باستمرار على تطوير خدماتها وبنيتها التحتية وتحسينها. وتشمل تلك الخدمات توفير مياه الشرب وأنظمة الصرف الصحي والنقل والإنترنت والاتصالات وغيرها الكثير من الخدمات الأخرى. وغالبًا ما تتطلب هذه التحسينات استثمارات مستمرة، ولا سيما إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص أداة تساعد في تحسين وتطوير البنية التحتية في المدينة. وهي تسمح بإنهاء المشاريع الحكومية الواسعة النطاق، مثل الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس والإسكان، عبر تمويل خاص.

إليك كيف يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تساعد في إنشاء مدن صالحة للعيش وتحقيق النجاح في التنمية الحضرية:

1- التكنولوجيا والاتصالات: تعتبر التكنولوجيا والابتكار اليوم سمتين رئيستين في جميع المجتمعات حول العالم. ويشمل الابتكار هنا إنشاء واستخدام منتجات وخدمات وعمليات جديدة قد تكون مفيدة للتنمية الاقتصادية ولنمو الدخل والقدرة التنافسية في المدن. وتُعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص هنا مفيدة لكلّ من القطاعين، إذ إنّ القطاع الخاص قادر على توفير التمويل والتقنيات الجديدة للقطاع العام لتنفيذها وتركيبها في المدن، مثل مستشعرات الضوء وأنواع مختلفة من مستشعرات حركة المرور ومستشعرات جودة الهواء للكشف عن التلوث، وغيرها من الأجهزة التي يمكن أن تساعد في تطوير البنية التحتية للاتصالات في المدينة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحوّل المدينة إلى مدينة ذكية.

2- أنظمة المياه والصرف الصحي: مع ارتفاع نسبة ندرة المياه، تبحث المدن والحكومات المحلية عن طرق جديدة لتوفير مصادر مياه مستدامة ونظيفة لمواطنيها. ويمكن أن تؤدّي الشّراكات بين القطاعين العام والخاص دورًا رئيسًا في هذا الصدّد، إذ يمكنها المساعدة في زيادة الكفاءة ونسبة توافر المياه من خلال إدارة المياه أو عبر تطوير مصادر جديدة للمياه وأنظمة معالجة لها. وفي هذا القطاع بالذات، لا يمكن تحسين القدرة على الوصول إلى المياه الآمنة والنظيفة من دون استثمارات ضخمة. ولذلك، يمكن أن تكون الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة ناجحة لتحقيق القدرة على الوصول العادلة إلى مياه الشرب الآمنة والميسورة التكلفة في جميع أنحاء العالم، وتوفير القدرة على الوصول إلى الصرف الصحي المناسب والعادل.

3- الكفاءة في استخدام الطاقة: تهدف الكفاءة في استخدام الطاقة إلى الحد من هدر الطاقة في المباني السكنية والتجارية والصناعية. ويشمل ذلك توفير موارد الطاقة المستدامة التي يمكن أن تساعد في بناء مدن صحيّة وصديقة للبيئة أكثر. ويمكن للحكومات أن تتعاون مع مؤسسات وشركات القطاع الخاص لتحقيق هذا الهدف، إذ يمكن للقطاع الخاص إنشاء وسائل مبتكرة وصحية للتقليل من استخدام الطاقة في المباني. ويشمل ذلك قدرة القطاع الخاص على توفير المزيد من التمويل والمزيد من مصادر الطاقة المتجددة للمدينة، مثل توربينات الرياح، والأسطح الباردة، والأسطح الخضراء، والألواح الضوئية الجهدية، والطاقة الكهرومائية المتجددة، ومحطات الطاقة الحرارية الأرضية، وغيرها من مصادر الطاقة، وذلك للمساعدة في توفير التدفئة والكهرباء والمياه الساخنة للمواطنين.

4- الأماكن العامة: لطالما أدّت الشراكات بين القطاعين العام والخاص دورًا في إنشاء الأماكن العامة والمتنزهات والحفاظ عليها وإدارتها. وتستعين هنا الحكومة بالمؤسسات والشركات الخاصة للمساعدة في بناء الحدائق العامة والمساحات الخضراء في المدينة. وعند إقامة شراكة بالشكل الصحيح، يمكن للقطاع الخاص أن يأخذ مساحة عامة لا تدر أموالاً كافية للحكومة وتحويلها إلى مورد منتج. ويمكن تحقيق ذلك عبر إنشاء مساحات عامة يمكن الوصول إليها من قبل الأشخاص من جميع القدرات. ويمكن أن تساعد الشراكات الناجحة بين القطاعين العام والخاص أيضًا في خلق المزيد من الأنشطة للمواطنين، ما يؤدي في وقت لاحق إلى تعزيز الاتصال بين المواطنين وإلى خلق الإحساس بالمكان لديهم.

5- القدرة على المشي والشوارع الحضرية: تدرك جميع المدن في جميع أنحاء العالم أنّه لتشجيع الناس على المشي أكثر، يجب أن تجعل رياضة المشي ممتعة ومريحة، والأهم من ذلك، آمنة. وللتأكد من تحقيق هذا الهدف، غالبًا ما تختار الحكومات المحلية العمل مع القطاع الخاص لإنشاء أرصفة مشاة وشوارع وحدائق وميادين ذات جودة عالية. ويمكن للمؤسسات والشركات الخاصة هنا إنشاء أرصفة وممرات أوسع للجمهور وتوفير مواقع جذابة لتشجيع المواطنين على المشي أكثر. ويمكن أن تشمل هذه المواقع أسواقًا أو أنشطة تجارية محلية أو حدائق أو مواقع سياحية أخرى.

6- النقل العام: تريد الحكومات المحلية دائمًا إنشاء وسائل نقل عام جيدة وجذابة للناس، بهدف تقليل الازدحام المروري والتلوث في المناطق العامة، وإنشاء مدن أكثر ملاءمة للعيش. ولذلك، تعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص إحدى أكثر الطرق فعالية لبناء وتنفيذ بنية تحتية جديدة للنقل أو لتجديد مرافق البنية التحتية الحالية للنقل وصيانتها. وتتمثّل إحدى الطرق التي يمكن أن تساعد فيها كيانات القطاع الخاص في حلّ هذه المشكلة في بناء أنظمة النقل السريع بالحافلات، التي يمكن أن تساعد الناس في الوصول بشكل أسرع إلى وجهاتهم وفي التقليل من وسائل النقل الخاصّ. ويمكن أن تؤدي الشراكات بين القطاعين العام والخاص أيضًا إلى إنشاء المترو والترام والسكك الحديدية. وفي الواقع، يمكن أن توفر الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال السكك الحديدية فرصًا للاستثمار ولتحقيق الكفاءة في التشغيل ولاستخدام التكنولوجيا الحديثة، مما قد يؤدي أيضًا إلى تحقيق المزيد من الأرباح لكلّ من الحكومات المحلية والمستثمرين من القطاع الخاص.

7- الملاعب والمدارس: ازدادت مشاركة القطاع الخاص في التعليم كثيراً في السنوات الماضية حول العالم. ويمكن للقطاع الخاص أن يساعد الحكومة في تقديم بعض الخدمات التي تؤدي إلى إنتاج التعليم، مثل تقديم دورات تدريبية للمعلمين ووضع وتصميم المناهج الدراسية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى قيام القطاع الخاص بإدارة وتشغيل المدارس العامة، ومساعدة المدارس على التطور، وتوفير مستوى تعليم أفضل. ويمكن أن تساعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص أيضًا في إنشاء ملاعب أفضل للأطفال، مما يساعد على تعزيز خيالهم وإبداعهم. ويجب أن تكون الملاعب مصمّمة يشكل جيّد وممتعة ومتاحة للجميع وآمنة، حتى يتمكن الأطفال من اللعب بأمان.

وتعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص أداة مهمة للحكومات التي تسعى إلى توسيع وتحسين وتطوير البنية التحتية في مدنها وتقديم الخدمات الاجتماعية لمواطنيها. وتساعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تعزيز النمو الاقتصادي وإنشاء مدن ذكية، ويمكن أن تؤدي إلى الحد من الفقر، والمزيد من الابتكار، وزيادة القدرة التنافسية. وبينما يعتمد تنفيذ الشراكات الناجحة بين القطاعين العام والخاص على قدرات الأفراد على إكمال مهامهم وتحقيق أهداف المدن، فإن الهدف الرئيس وراء التعاون بين القطاعين العام والخاص هو إيجاد حلول لتحديات البنية التحتية التي تواجهها المدن في الوقت الحاضر.

Share post:

Leave A Comment

Your email is safe with us.