إجراءات التخطيط العمراني للتخفيف من حدّة تغيّر المناخ

إجراءات التخطيط العمراني للتخفيف من حدّة تغيّر المناخ

تعتبر المدن مراكز استهلاك وإنتاج رئيسة وهي تستهلك الطاقة بشكل كبير، ممّا يعني أنّها مسؤولة عن انبعاثات الغازات الدفيئة بكميّة كبيرة في جميع أنحاء العالم. كما وأنّها تساهم بشكل كبير في تغير المناخ. لكن توفّر المدن أيضًا العديد من الفرص للتقليل من هذه الانبعاثات وهي تدرك الآن أنّ الوقت عنصر جوهري لتحقيق ذلك. وتعمل الحكومات المحلية جنبًا إلى جنب مع المخطّطين والمصمّمين الحضريّين لإجراء التغييرات عبر تصميم مبان تنتج انبعاثات أقلّ للغازات الدفيئة وعبر بناء مدن أكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة وصديقة للبيئة أكثر. وستساعد هذه الخطة في النهاية في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

إليك بعض الإجراءات التي بدأت المدن والمخططون الحضريون في تنفيذها للمساعدة في مكافحة تغير المناخ والحد منه:

1- إنشاء مبانٍ ذات كفاءة من حيث استخدام الطاقة: قد يشكّل استهلاك الطاقة أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم. ولذلك، يعمل المخططون والمصممون الحضريون معًا لإنشاء مبان كفؤة من حيث استخدام الطاقة، سواء أكانت مبان تجارية أو صناعية أو سكنية. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن تركيب نوافذ عالية الجودة في أماكن استراتيجية في المبنى لتوفير المزيد من الإضاءة الطبيعية. وعلى سبيل المثال، يمكن أيضًا استخدام مواد عزل عالية الجودة وأنظمة الأباجور المتطورة للمساعدة في تقليل استخدام أنظمة التدفئة والتبريد. ويمكن أن يساعد استخدام الخرسانة المعزولة عند بناء مبنى كفؤ من حيث استخدام الطاقة من الصفر في إنشاء هيكل أكثر متانة وفي توفير عزل إضافي، بينما تعتبر الإضاءة ذات الثنائي الباعث للضوء طريقة أخرى منخفضة التقنية وهي يمكنها أن تقلل من استهلاك الطاقة، مما يجعل المباني أكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة.

2- تصميم مبانٍ خضراء: تزداد المباني الخضراء في الارتفاع وهي تجتاح العالم بأكمله. وتتمتع هذه الأنظمة بالاكتفاء الذاتي والقدرة على الصمود، ويتمثل هدفها الرئيسي في تحقيق أمن المياه والطاقة للعقود القادمة. وإنّ المباني الخضراء مصمّمة لتوفير بيئات صحية ومنتجة للناس وجميع الكائنات الحيّة. فتركز المباني الخضراء على إنشاء مجتمع متّصل وشوارع تركّز على المشاة، بينما تهدف إلى حماية واستعادة الطبيعة القائمة ومعالجة ندرة المياه والحدّ من استخدام مواد البناء التي قد يكون لها آثار خطيرة على البيئة، مثل التلوث وإزالة الغابات، والاستخدام الكبير للطاقة. وعلى سبيل المثال، يمكن تحقيق ذلك عبر استخدام أنظمة وصهاريج تجميع مياه الأمطار وأنظمة المياه الرمادية والمراحيض السمادية ومواد البناء الطبيعية التي يتم إنقاذها.

3- تحسين القدرة على المشي: إنّ تحسين القدرة على المشي يؤدّي إلى تأمين صحّة أفضل للسكان وبيئة حضرية صحّية أكثر. ويدرس المصممون والمخططون اليوم تأثير الكثافة الحضرية على البيئة ومدى تأثيرها على تغير المناخ. ولذلك، فإنّهم يضعون استراتيجيات جديدة لبناء مدن أفضل مع تحسين القدرة على المشي والبنية التحتية للدراجات. وبدأت المدن بالفعل في استخدام هذه الاستراتيجية لتحسين الصحة والبيئة. فعلى سبيل المثال، بدأت المدن في توسيع الممرات وفي جعلها صديقة للناس لتشجيع المواطنين على المشي بدلاً من استخدام سياراتهم للوصول إلى أماكن أخرى. وستؤدّي استراتيجية تحسين القدرة على المشي دورًا رئيسًا في التخفيف من تغير المناخ، إذ إنّها ستساعد المدن على تقليل الازدحام وتخفيض معدّل التلوث فيها. ويتم أيضًا بناء المزيد من الممرات للدراجات حول المدن للسماح لراكبي الدراجات بالتنقل بسهولة بين منازلهم وعملهم ومناطق الترفيه. ولضمان نجاح هذه الخطة، يقوم المخططون والمصممون أيضًا ببناء مواقع جذابة ومثيرة للاهتمام لكي تجذب وتشجع الناس على المشي أكثر.

4- تكييف المباني القائمة: تشكل الهياكل الحاليّة الغالبية العظمى من مخزون المباني في العالم وهي في الغالب غير فعالة. لكن ولحسن الحظ، يمكن تكييف هذه المباني لتصبح أكثر كفاءة واستدامة. ويتمّ تكليف معظم المخططين والمصممين الحضريين بتنفيذ هذه الخطّة للحد من تأثير هذه المباني على المناخ والبيئة. ولتكييف الهياكل الحالية، يمكن للمصممين تغيير أنظمة التدفئة والتبريد على سبيل المثال، واستبدالها بأنظمة كفؤة من حيث استخدام الطاقة. ومن ناحية أخرى، من المهم تحديث النوافذ والأبواب في المباني القديمة للمساعدة في تخفيض نسبة استخدام الطّاقة أيضًا. وتمثل كفاءة استخدام المياه مبدأ مهمًا آخر في عمليّة تكييف المباني، إذ يحتاج المصممون إلى استبدال الأنابيب القديمة بأنظمة أنابيب أكثر أمانًا ومتانة واستدامة.

5- إنشاء أسطح مستدامة: مع توسع المدن ونموها، تختفي المساحات الخضراء، ممّا يساهم في تغير المناخ ويخلق ما يُعرف بتأثير الجزر الحرارية الحضرية، فيتسبب ذلك في ارتفاع درجة حرارة البيئة أكثر من المعتاد. ودفعت هذه المشكلة المصممين والمخططين إلى إيجاد حل مناسب لها. فيعتبر بعض المصممين أن إحدى طرق التخفيف من ارتفاع درجة الحرارة وتخفيض استخدام الطاقة تتمثّل في استهداف الأسطح الأكثر تعرضًا لأشعة الشمس، مثل أسطح المنازل. ولذلك، أصبح من المهمّ الآن استخدام الأسطح المستدامة. فعلى سبيل المثال، تعتبر الأسطح الخضراء فعالة وهي توفّر الظل وتنظف الهواء في الصيف، مما يساعد في خفض درجة الحرارة في المدن. ومن ناحية أخرى، تعكس الأسطح الباردة والأسطح العاكسة الحرارة وتؤدّي إلى تبريد المباني، في حين يمكن لأسطح المنازل التي تعمل على الطاقة الشمسية تبريد السطح والتقاط أشعة الشمس، مما يساعد على إنتاج الطاقة.

6- توسيع المساحات الخضراء: يمكن للمساحات الخضراء، على غرار الأسطح الخضراء، تقليل تأثير الجزر الحرارية الحضرية وتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة. لذلك، من المهم زراعة المزيد من الأشجار في أحياء المدن وتوسيع المساحات العامة، مثل المتنزهات والحدائق، إذ يمكن أن تعمل هذه المتنزهات والحدائق بمثابة رئة للمدن، وأن توفر المزيد من الهواء النقي وتعزز الحياة الصحية. وتعمل المدن حول العالم أيضًا على إنشاء مساحات خضراء جديدة، بالإضافة إلى تعزيز قدرة المدن على الصّمود، وتعتبر أنّه لا يجب أن يسير السكان أكثر من خمس دقائق للوصول إلى أيّ حديقة عامة.

7- تحديث أنظمة معالجة النفايات: نظرًا إلى الكثافة السكانيّة العالية وإلى أعداد الأعمال التجارية والصناعية المرتفعة في المدن، تنتج هذه الأخيرة جزءًا كبيرًا من نفايات العالم التي تعد مصدرًا رئيسًا لانبعاثات الغازات الدفيئة. ولكنّ المدن قد بدأت في إيجاد حلول لهذه المشكلة. فعلى سبيل المثال، تقوم بعض المدن بإنشاء نظام آلي تحت الأرض يساعد في التحكم في عمليّة جمع القمامة. ويقوم هذا النظام بجمع القمامة تلقائيًا من خلال الأنابيب التي يتمّ وضعها تحت الأرض، ثمّ يتم فرز القمامة أو دفنها أو حرقها لإنتاج الطاقة. ويساعد ذلك في تخفيض الاعتماد على شاحنات جمع القمامة، مما يقلّل بدوره من انبعاثات الكربون ويحدّ من بصمة المدن الكربونية.

يُعتبر النقل واستهلاك الطاقة والإسكان من أكبر العوامل المساهمة في البصمة الكربونية في المدن حول العالم. وبالتالي، أصبح من المهمّ للغاية الآن إعادة التفكير في الطرق التي تعمل بها المدن. وقد بدأت المدن بالفعل في اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تأثيرها على البيئة والتخفيف من تغير المناخ. وعلى الرغم من أنّ العالم قد لا يشهد الآثار المباشرة لهذه التدابير على الفور، إلا أن المخططين والمصممين الحضريين يعملون على زيادة الوعي حول مسألة تغير المناخ ويعملون معًا للتوصل إلى تصميمات جديدة صديقة للبيئة يمكن أن تساعد المدن في أن تصبح أكثر صحيّة وأكثر قدرة على الصمود في المستقبل.

Share post:

Leave A Comment

Your email is safe with us.