التخطيط الحضري في إفريقيا: هل هو خيال؟

التخطيط الحضري في إفريقيا: هل هو خيال؟

تشهد أفريقيا التي تتميز بتنوعها البيولوجي الغني بشكل استثنائي وتيرة سريعة للغاية وغير مسبوقة من التحضر. وفي الواقع، هي واحدة من أسرع المناطق الحضرية في العالم، حيث أظهرت الدراسات أن 6 من المدن الكبرى في العالم ستكون في إفريقيا بحلول العام 2030. ولسوء الحظ، لا يزال تطوير البنية التحتية والصناعات الأخرى في هذه المنطقة بطيئًا للغاية حتى يومنا هذا مما قد يؤدي في المستقبل إلى مشاكل ويزيد من ضغوط النمو الحضري السريع. غير أنه دفعت هذه الظاهرة المخططين الحضريين والمهندسين المعماريين إلى تطوير استراتيجيات لضمان أن تكون المدن في إفريقيا شاملة ومنتجة ومستدامة، مما يسمح للمدن والحكومات المحلية بمواجهة التحديات الناجمة عن التحضر السريع، بما في ذلك تلك المرتبطة بالموارد المحدودة.

1. التخطيط الحضري الأفريقي: بين التخطيط والواقع

لا يقتصر عدم التوافق بين التخطيط والتنفيذ على السيناريو الأفريقي فحسب. ولكن يبدو الأمر أكثر وضوحًا في أفريقيا، حيث أنه من الواضح أن المدن الأفريقية تزيد من حدة الفقر وتفتقر إلى البنية التحتية والخدمات، على الرغم من وجود خطط حضرية مختلفة وتنفيذ مشاريع تنموية مختلفة. وفي الواقع، وضع العديد من المخططين الحضريين بالفعل، بالتعاون مع الحكومات المحلية، خططًا مختلفة وعدت بالوصول الشامل إلى بنية تحتية أفضل، بما في ذلك المياه العامة وأنظمة الصرف الصحي، والنقل، والتكنولوجيا، والطاقة وإلخ. لكن في الواقع، لم يتم تنفيذ عدد كبير من هذه الوعود لعدة أسباب، ولا سيّما الفساد والافتقار إلى الكفاءة الحكومية، والافتقار إلى الحوكمة المحلية الرشيدة، وعدم وجود شراكات مناسبة بين القطاعين العام والخاص.

أ‌. إمكانات التخطيط الحضري في أفريقيا:

تتمتع إفريقيا بالكثير من الإمكانات عندما يتعلق الأمر بالتخطيط الحضري، وخاصة وأنّ لديها موارد طبيعية كثيرة ومهمة يمكن أن تساعد في عملية تطوير مدنها الرئيسة والمتحضّرة. وقد تمّ بالفعل تطوير العديد من الخطط لتحقيق الإمكانات الكاملة للمدن الأفريقية، بما في ذلك تعزيز استخدام الأراضي، وإدخال تقنيات جديدة وفعالة، والتخطيط من أجل القدرة على الصمود، وتوفير المياه النظيفة.

ويعدّ استخدام الأراضي على سبيل المثال أحد أهم جوانب التخطيط الحضري لأنّه يحسن الاستدامة ويعزز استخدام المدينة لمواردها. ووضع المخططون الحضريون خططًا للمدن الأفريقية لتحقيق هذا الهدف، ولا سيّما نظرًا إلى أنّ تخطيط استخدام الأراضي يمكن أن يؤدي إلى حماية بيئية أفضل ويمكن أن يساعد في مكافحة التوسع الحضري وتقليل تكاليف النقل على الناس. ويمكن أن يساعد استخدام الأراضي أيضًا في تحديد كيفية استخدام كل جزء من الأرض، سواء للأغراض الصناعية أو التجارية أو السكنية.

ومن ناحية أخرى، يمكن للأماكن العامة أن تحدث فرقًا حقيقيًا إذا تم إنشاؤها وإدارتها بشكل صحيح، لأنها من أهم الموارد في المدن الأفريقية. ومن المعروف أن المدن التي تحتضن وتخلق الأماكن العامة ناجحة في تقديم أفضل الخدمات لمجتمعاتها، وتحسين رضاهم وسعادتهم والمساهمة في الاستدامة.

أما الأمن الغذائي فهو جانب آخر يمكن أن يساعد في تحقيق التنمية المستدامة في المدن الأفريقية. وهناك العديد من الجهود في البلدان الأفريقية لزيادة الإنتاج الزراعي. وتبحث المدن الأفريقية بالفعل عن طرق لإنشاء أنظمة غذائية متصلة ودائمة ومستدامة يمكن أن توفر غذاءً صحيًا لمواطنيها، وذلك باستخدام مواردها الطبيعية للحد من الفقر والجوع.

وتتمتع المدن الأفريقية أيضًا بفرصة لتعزيز تنميتها الصناعية، فقد تمّ وضع العديد من الخطط التي تهدف إلى تعزيز التصنيع والصناعات في إفريقيا. وإذا تم تنفيذها بشكل صحيح، ستؤدي التنمية الصناعية إلى النمو الاقتصادي، مما يمكّن الحكومات المحلية من إنفاق المزيد من الأموال على توفير الخدمات العامة. وستؤدي أيضًا إلى مستويات معيشية أعلى ونوعية حياة أفضل.

ب‌. واقع التخطيط الحضري في أفريقيا:

هناك عدة عوامل تساهم بشكل كبير في فشل تنفيذ المخططات الحضرية في المدن الأفريقية. ولسوء الحظ، ثبت أن الفساد يمثل تحديًا مهمًا بشكل خاص في التنمية الحضرية، لأنّه أعاق التخطيط لمدن حضرية مزدهرة وقادرة على الصمود. ولقد أدى التخطيط الحضري الفاسد إلى حرمان المدن التي تشهد تحضرًا ونموًا سريعًا من الموارد المهمة التي يمكن أن تسمح لها بالنمو وبتعزيز بنيتها التحتية وخدماتها.

ومن العوامل الرئيسة الأخرى عدم كفاءة الحكومة وغياب الحوكمة الرشيدة. وبطبيعة الحال، فإنّ الحكومات المحلية مجهزة تجهيزًا جيدًا للتعامل مع المشكلات التي يمكن مواجهتها في المدن، ولا سيما تلك المتعلقة بالبنية التحتية والإسكان والنقل والصرف الصحي وغيرها. ولكنّ الكفاءة الحكومية في المدن الأفريقية تتأثر إلى حد كبير بالفساد، مما يحول الحكومات إلى حكومات غير فعالة. وفي مثل هذه الحالات، تفشل المؤسسات العامة في إدارة الموارد العامة المحلية وتخصيصها بشكل صحيح، مما يؤدي إلى بنية تحتية سيئة وغير مناسبة في المدن الأفريقية وإلى التلوث والفقر الحضري.

وتعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص ضرورية جدًا أيضًا للمدن، لأنها تتيح النمو والازدهار وتساعد على تلبية احتياجات المواطنين بأفضل طريقة ممكنة. وتعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص ضرورية في إفريقيا لأنها تساعد في تصميم وتمويل وحتى تشغيل البنية التحتية. ولكن تمّ تثبيط عزيمة المؤسسات الخاصة بسبب الفساد وعدم الكفاءة على المستوى الحكومي، مما أدى إلى مشاركة محدودة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي أثّر ولا يزال يؤثر على التخطيط الحضري في أفريقيا.

2. تحديات التخطيط العمراني في إفريقيا وحلولها

يمكن للمدن في إفريقيا، إذا تم التخطيط لها جيدًا، الاستفادة من جميع فوائد التحضر لإنشاء مساحات حضرية نابضة بالحياة وصالحة للعيش. ولكن لا تزال المدن الأفريقية تواجه العديد من التحديات عندما يتعلق الأمر بالتخطيط الحضري، ويواجه المخططون الحضريون العديد من العقبات عند تعزيز الاستدامة. وبشكل عام، يهدف المخططون الحضريون إلى تطوير وإعادة تطوير المناطق والمدن الحضرية لتحقيق نوعية حياة أفضل وتحسين البيئة الحضرية. وإنّ أخطر مشكلة تواجه المدن المتحضرة، بما في ذلك المدن الأفريقية، هي نقص الموارد المالية وضعف الخدمات والبنية التحتية، خاصة تلك المتعلقة بالتلوث ونقص المياه النظيفة وتغير المناخ. غير أنّه بدلاً من تكييف خططها الحضرية الحالية، تتمتّع المدن الأفريقية بالفعل بفرصة للتّحسين وللبدء بالتخطيط من الصفر.

ويمكن أن يكون لتغير المناخ، على سبيل المثال، تأثير مباشر على المدن الأفريقية، لأنها ليست مستعدة له بشكل جيد. وفي الواقع، تم تحديد المدن الأفريقية على أنّها بؤرة لتغير المناخ. ولقد أثر تغير المناخ بالفعل على المدن الأفريقية، مع زيادة موجات الحر والأيام الحارة في المناطق، مما قد يكون له عواقب وخيمة على الحياة والتنمية المستدامة في إفريقيا، إذ يؤثر ذلك على الإنتاج الزراعي وموارد المياه وخدمات النظام البيئي. وللحد من آثار تغير المناخ، يجب على المدن الأفريقية اعتماد تقنيات جديدة تسمح لها برصد الكوارث الطبيعية في وقت مبكر، مثل الفيضانات والتسونامي والزلازل. ويمكن أن تساهم المناطق الخضراء أيضًا في زيادة قدرة المدن على الصمود، إذ يمكنها الاحتفاظ بمياه الأمطار الزائدة وتقليل آثار موجات الحر.

ويعدّ التلوث تحديًا آخر في المدن الأفريقية، حيث ازدادت نسبته بشكل كبير على مدار الخمسين عامًا الماضية. وأصبح هذا التحدي بارزًا أكثر، إذ أصبحت المدن أكثر كثافة سكانية وازدحامًا ومتقدّمة صناعيًا. وللحدّ من التلوث في المدن الأفريقية، من الأفضل تشجيع المشي وركوب الدراجات بدلًا من قيادة السيارات، لأن ذلك قد يقلّل من تأثير تلوث السيارات على البيئة. كما من المهم تشجيع زراعة الأشجار وزيادة المساحات الخضراء. ومن المهم أيضًا تحسين إدارة النفايات الصلبة وتقليل استخدام البلاستيك والنفط، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات التلوث. ويمكن أن تؤدي الاستفادة من الموارد الطبيعية في المدن الأفريقية من أجل توليد الكهرباء والطاقة إلى تقليل البصمة الكربونية للمدن.

وتعاني المدن الأفريقية أيضًا من مستويات كبيرة من الإجهاد المائي بسبب النمو السكاني السريع والتحضر، مما يعني أن أنظمة المياه لديها تعمل فوق طاقتها. ولسوء الحظّ، فإن المياه ملوثة في المدن الأفريقية، حيث لا يستطيع غالبية المواطنين الوصول إلى المياه النظيفة. ولذلك، من الضرورة دمج تحسينات المياه في التخطيط الحضري كهدف اقتصادي، لأنّ ذلك يساعد في تحسين الصحة العامة. ويمكن أن يساعد تعزيز أنظمة الصرف الصحي المستدامة وتعزيز عادات النظافة الجيدة وتركيب أنظمة تنقية المياه في تحقيق هذا الهدف وتوفير وصول أفضل إلى المياه النظيفة في المدن الأفريقية.

وعلى غرار المياه، تمثل الطاقة أيضًا تحديًا رئيسًا في التخطيط الحضري في المدن الأفريقية. فعلى الرغم من أنّ إفريقيا تتمتّع بموارد طاقة متجددة كبيرة، إلا أنّ هذه الموارد غير مستغلة بالشكل الكافي. وبما أنّ عدد الأشخاص الذين يعيشون في المدن يزداد، يزداد عدد الناس الذين يعيشون من دون كهرباء، مما يعني أنّه ينبغي على مخططي المدن العمل من أجل توفير الطاقة المستدامة والمتجددة لجميع المواطنين. ويشمل ذلك الاستفادة من الموارد الطبيعية في إفريقيا، بما في ذلك الرياح والمياه والشمس لإنتاج طاقة كافية لتوفير الكهرباء للمدن. ويمكن أن تساعد هذه الأنواع من الطاقة في الواقع على تقليل البصمة الكربونية للمدن الأفريقية وتوفير طاقة نظيفة للسكان.

ويعتبر النجاح في تحقيق التحضر شرطًا أساسيًا للاستدامة. وتجدر الإشارة إلى أن المدن الأفريقية تتخذ إجراءات من أجل تنفيذ خططها بشكل أفضل. فبدأت السلطات الحضرية في الاستثمار في التخطيط الحضري الأفضل والتطوير الحضري وتحسين استخدام الأراضي والقدرة على الصمود. ولا يزال أمام إفريقيا الوقت لاغتنام الفرص والإمكانيات الحضرية والاستفادة منها بهدف تحسين مستويات المعيشة في المدن وضمان رفاهية الناس. وبسبب مواردها الطبيعية وطبيعة أراضيها وبيئتها، تتمتع إفريقيا بفرصة مثالية لتحسين التنمية وبناء مدن مستدامة وقادرة على الصمود لمجتمعاتها. ولكن من المهم أن تبتعد هذه المدن عن استراتيجيات التنمية التي قد تكون باهظة الثمن ودائمة والتي قد تؤدي إلى نوعية حياة سيئة.

Share post:

Leave A Comment

Your email is safe with us.