الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل التنمية الحضرية الناجحة [الجزء الثاني]

الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل التنمية الحضرية الناجحة [الجزء الثاني]

في الجزء الأول من هذه المقالة، تناولنا موضوع الشراكات بين القطاعين العام وكيف يمكنها أن تؤدّي دورًا رئيسًا في نجاح التنمية الحضرية وفي بناء مدن ملائمة للعيش وذكية للسكان. أمّا في هذا الجزء، فسوف نذكر أنواع الشراكات بين القطاعين العام والخاص المختلفة والتحديات التي قد تعيق عملها، وسنقترح الحلول لها.

تعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص ترتيبات رسمية بين كلا القطاعين. وتسمح هذه الشراكات لكلّ من الطرفين بالتعاون لبناء البنى التحتية في المدينة، وتقديم الأصول والخدمات العامة، وتلبية احتياجات السكان. وتستند الشراكات بين القطاعين العام والخاص على مبدأين، إذ يستثمر الطرفان مالياً في مشروع ويتبادلان خبراتهما ومعرفتهما وشبكاتهما لتحقيق أهدافهما المشتركة. وليست مشاركة القطاع الخاص في توفير البنى التحتية بظاهرة جديدة، ولكنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تختلف من حيث الوظائف والأنواع.

إليك أمثلة على أنواع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مع بعض التحديات التي قد تواجهها هذه الشراكات في التنمية الحضرية والحلول لهذه المشاكل:

I. أنواع الشراكات بين القطاعين العام والخاص:

تأتي الشّراكات بين القطاعين العام والخاص في أنواع مختلفة من الاتفاقيات والعقود. إليك البعض منها:

1- البناء والتشغيل والتحويل: يُستخدم عقد البناء والتشغيل والتحويل عادة في مشاريع البنى التحتية الواسعة النطاق، حيث يتعين على القطاع الخاص تمويل مرفق عام وتصميمه وبنائه وامتلاكه وتشغيله. ويسمح هذا النوع من العقود بتطوير أصول منفصلة بدلاً من شبكة كاملة، مثل الطرق والطرقات السريعة ذات الرسوم.

2- البناء والتملّك والتشغيل: يسمح هذا النوع من الشراكات بين القطاعين العام والخاص بإنشاء منشأة أو خدمة وفقًا لمواصفات التصميم المحددة مسبقًا. كما يسمح بامتلاك المنشأة أو الخدمة وتشغيلها لفترة زمنية محدّدة. ولا يتعيّن على القطاع الخاص هنا إعادة المنشأة إلى القطاع العام. وغالبًا ما يُستخدم هذا النوع من الشراكات بين القطاعين العام والخاص في عمليات معالجة المياه ومحطات الطاقة.

3- البناء والتملّك والتشغيل والتحويل: يبني هنا القطاع الخاص المرفق ويمتلكه ويشغّله حتى انتهاء مدة العقد. وعند انتهاء مدّة العقد، يتم إعادة المرفق العام إلى الحكومة. ويسدّ القطاع الخاص في هذا النوع من اتفاقيات الشراكات بين القطاعين العام والخاص فجوات التمويل. وغالبًا ما يُستخدم هذا النوع من الشراكات في المدارس والمستشفيات والمرافق الصحية.

4- التصميم والبناء: يقوم القطاع الخاص بوضع تصميم لمنشأة عامة ويبني المنشأة وفقًا لذلك. ويمكن لهذا النوع من الشراكات بين القطاعين العام والخاص توفير الوقت والمال، مع توفير ضمانات أقوى للقطاع العام.

5- التصميم والبناء والصيانة: يُطلب عادةً من القطاع الخاص تصميم أصول البنية التحتية أو المرافق العامة وبنائها وصيانتها. ولهذا النوع من الشراكات بين القطاعين العام والخاص مصدر مسؤولية واحد، ألا وهو القطاع الخاص.

II. التحديات التي تواجهها الشراكات بين القطاعين العام والخاص وحلولها:

في حين تُعتبر الشّراكات بين القطاعين العام والخاص فعالّة للغاية في التخطيط الحضري والتنمية الحضرية، إلا أنّها قد تواجه العديد من التحديات أثناء تنفيذهما. إليك بعض هذه التّحديات وحلولها:

1- القيود المؤسسية تحتاج إلى هياكل حوكمة مناسبة: تُعتبر المؤسسات عنصرًا أساسيًا في الشراكات. ويمكن أن تواجه الشراكات بين القطاعين العام والخاص عائقًا كبيرًا على هذا المستوى، إذ تركز بعض المؤسسات على تقديم الخدمات وعلى أنشطة المشروع قبل أنشطة الشّراكة. ويؤدّي ذلك إلى ندرة الموارد وإلى غياب الرغبة في تخصيص تلك الموارد لبناء شراكة ناجحة، بما في ذلك التمويل والوقت. وتشمل القيود المؤسسية أيضا سوء التخطيط ونقص المعلومات والقيادة وانعدام الالتزام. وبالتالي، فإنّ توفير هياكل حوكمة عادلة والاهتمام بعمليات الشراكة يمكن أن يساعد في التقليل من هذه المشاكل أو حلها.

2- إيجاد مصادر مختلفة للتمويل كحلّ للقيود الماليّة: إنّ خدمات البنية التحتية، مثل التدفئة والكهرباء والطاقة والمياه والتكنولوجيا، مدعومة بشكل كبير ومكلفة للغاية. وعلى الرّغم من أنّ الرغبة في الاستفادة من الأموال العامة تعتبر غالبًا دوافع أولية لعقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، قد يتوفّر عدد من العوائق أمام التمويل الناجح لمشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ففي بعض الحالات على سبيل المثال، قد لا يكون القطاع الخاص قادرًا على منافسة التمويل الذي يقدّمه القطاع العام. ولهذا السبب، يمكن اعتبار التمويل العام أو الاقتراض خيارًا أفضل للقطاع الخاص. ومن ناحية أخرى، قد لا يتوفر الدعم من الحكومة، مثل الدعم المالي والإمدادات والمعدات، ممّا قد يحوّل المشروع إلى عبء مالي على القطاع الخاصّ. وهنا تدخل مصادر التمويل المختلفة، إذ يتم تمويل بعض المشاريع من خلال المساهمات في رأس المال والمساهمات في الديون، حيث تقوم الجهات الراعية للمشروع بتمويل المشروع من خلال رأس المال واعتمادات الجهات المعنيّة.

3- إجراء تحليلات التكاليف والفوائد لتحسين أداء الشراكات بين القطاعين العام والخاص: تُعتبر التكاليف أحد العناصر الأساسيّة لدوافع عقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتحاول الحكومة دائمًا تقديم خدمات بأعلى جودة وبكلفة أقلّ، مما يعني أنه من الضروري إجراء تحليل التكلفة والفائدة للسماح بتقييم نهج تقديم الخدمات البديلة بشكل أفضل. ويمكن أن يؤدّي الافتقار إلى تحليلات التكاليف والفوائد إلى غياب الوضوح في العديد من المواقف، إذ لن تتاح الفرصة للقطاعين العام والخاص ليفهما على ماذا ينفقان أموالهما. ويمكن أن يساعد إجراء تحليل التكلفة والفائدة على تعزيز مكانة المدينة وخلق بيئة أكثر ملاءمة لتحقيق أداء أفضل من كلّ من القطاعين العام والخاص.

4- التدريب والتعرّف يساعدان على حلّ قيود القدرات: يعتبر عدم التوازن في قدرات القطاعين العام والخاص التحدي الأكثر شيوعًا الذي قد يؤدي إلى فشل ترتيبات الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وفي الواقع، يمكن أن تؤثر أوجه القصور في القدرات بشكل سلبي على ترتيبات الشراكات الجارية، مما يؤثر بدوره على أيّ إصلاحات قد تكون ضرورية، وذلك بسبب انعدام الثقة. وعادة، تتطلب الشراكات بين القطاعين العام والخاص مجموعة واسعة من المهارات، ولذلك، فإنّ التدريب على الشراكات بين القطاعين العام والخاص والتعرف على كيفيّة تطوير مثل هذه الشراكات في مجالات أخرى يمكن أن يساعد في تحقيق فهم أوسع لإمكانيات القطاعين العام والخاص. وسيؤدي ذلك في النهاية إلى ترتيبات ناجحة للشراكات بين القطاعين العام والخاص.

وعلى الرغم من أنّ الشراكات بين القطاعين العام والخاص هي أداة رائعة لتحسين التخطيط والتنمية الحضرية على مستوى المدينة، تواجه هذه الشراكات العديد من القيود والتحديات التي قد تؤثر على عملها وتؤدي إلى عدم الكفاءة في عملية تنفيذ الخدمات العامة. ولذلك، فإنّ للشراكات بين القطاعين العام والخاص الآن أنواع مختلفة من العقود والاتفاقيات التي تضمن فهم الطرفين لأدوارهما في عملية التخطيط. وتوفّر هذه الأنواع من العقود مزيدًا من الوضوح وفهمًا أوسع للمهام المطلوبة من كلا الشريكين، الأمر الذي سيؤدّي في النهاية إلى تخطيط فعال وتعاون أفضل بين الطرفين.

Share post:

Leave A Comment

Your email is safe with us.